يمكن أن تثير ولادة طفل جديد خليطًا من المشاعر القوية: الإثارة، والفرح، والخوف، والقلق. ولكن هذا قد يؤدي أيضًا إلى شيء قد لا تتوقعه…الاكتئاب!!!. تتميز الأشهر التي تلي ولادة الطفل بتغيير في كيمياء جسم الأم، ويؤدي نقص ساعات النوم والعديد من الضغوطات الأخرى بالعديد من النساء إلى خوض تجربة اكتئاب ما بعد الولادة في خلال السنة الأولى من الوضع.
ما مدى شيوع اكتئاب ما بعد الولادة؟
هذا النوع من الاكتئاب شائع بشكل لا يصدق، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى تراوح نسبة الإصابة به مابين 20٪ (واحد لكل خمس نساء) إلى 15٪ (واحد لكل سبعة نساء).
متى يحدث اكتئاب ما بعد الولادة؟
- يحدث هذا النوع من الاكتئاب في أي وقت خلال السنة الأولى بعد الوضع، وليس فقط مباشرة بعد الولادة. ولكن تزداد نسبة حدوثه عند الشهر الخامس.
- ومن المحزن أنه بسبب عدم وعي الناس به، وعدم فهم طبيعتة، إلى جانب الوصمة السائدة في مجتمعنا بشأن المرض النفسي، تعاني الكثير من النساء هذا الاكتئاب وحدهن دون علاج، أو أدنى دعم من أقرب المحيطين بهن.
مدة اكتئاب ما بعد الولادة
- إذا لم يُعالج هذا الاكتئاب، فقد يدوم عدة أشهر أو أكثر.
- عادة ما تتطور الأعراض في غضون الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة، ولكن قد تبدأ في وقت مبكر -أثناء الحمل -أو في وقت لاحق -حتى بعد عام من الولادة.
اقرأ أيضًا: الاكتئاب عند الأطفال | من هم الأطفال الأكثر عرضة له؟
أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
- تعاني معظم النساء من بعض مستويات من الحزن خلال أول أسبوعين بعد الولادة، ويرجع ذلك إلى الاضطرابات الهرمونية التي تحدث خلال تلك الفترة.
- ويتسم هذا النوع من الاكتئاب بمشاعر مستمرة تتجاوز فترة الأسبوعين. ويتجاوز الأمر مجرد الشعور بالحزن. في الواقع، لا تدرك الكثير من النساء أنهن يعانين الاكتئاب.
يظهر هذا الاكتئاب في صورة الأعراض التالية:
- التوتر، والغضب، والغضب الشديد.
- التقلبات المزاجية.
- اضطرابات الشهية.
- نقص التركيز.
- صعوبة في النوم حتى مع الإجهاد الشديد.
- عدم القدرة على الإحساس بمشاعر قوية سواء سعادة أو حزن.
- البكاء بدون سبب.
- القلق الشديد.
- فقدان الشغف بنشاطات وأمور اعتادت الأم الاستمتاع بها سابقًا.
- أفكار متطفلة عن تعرض الطفل للأذى الشديد أو الموت.
- أفكار متكررة عن الموت أو الإنتحار.
- عدم الشعور بالتواصل أو الحب تجاه الطفل.
- قد تشعر الأم بخيبة الأمل وأن ما يحدث ليس ما توقعته.
- الإحساس بعدم الجدارة، أو الخجل، أو الذنب، أو عدم الكفاية.
وفي الحالات الأكثر شدة، التي قد تصل إلى ذهان ما بعد الولادة، يمكن أن تشمل الأعراض ما يلي:
- الهلوسة.
- جنون الارتياب.
- أفكار الانتحار أو إيذاء الطفل.
- الارتباك والضلالات.
- يجب ملاحظة أن معظم القصص البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي لحالات اكتئاب ما بعد الولادة تسلط الضوء على النساء اللواتي يعانين ذهان ما بعد الولادة، مما يعطي العديد من المصابات الانطباع بأنها إذا لم تعانى هذه الأعراض الشديدة، فإنها لا تعاني اكتئاب ما بعد الولادة.
- ليس بالضرورة أن تعاني المرأة كل الأعراض المذكورة، لأن هذا الاكتئاب تظهر أعراضه على نطاق واسع.
- قد لا يعترف الأشخاص المصابون بالاكتئاب بأنهم مكتئبون، وقد لا يدركون علامات وأعراض الاكتئاب؛ إذا كنتِ تشكين أن إحدى صديقاتك تعاني اكتئاب ما بعد الولادة أو مصابة بذهان ما بعد الولادة، و ساعديها على طلب الرعاية الطبية فورًا. لا تنتظروا وتأملوا في التحسن.
اقرأ أيضًا: علاج الاكتئاب بالاعشاب | وما هي الأعراض الأكثر شيوعاً؟
ما أسباب اكتئاب ما بعد الولادة؟
يحدث هذا الاكتئاب نتاج مجموعة من العوامل المعقدة، منها:
- الهرمونات
غالبًا ما يمزح الناس بشأن الهرمونات وتأثيرها على المرأة، لكنَّ الحقيقة هي أن للهرمونات تأثير قوي وحقيقي قادر أن يحدث فعلًا تغيرات فسيولوجية تتعرض لها المرأة خلال فترة الحمل وبعد الولادة.
نتيجة لتقلبات تلك الهرمونات، يحدث تغيرات كيميائية عميقة للغاية في جسم المرأة، وبشكل أكثر تحديدًا، ترتفع هرمونات الإستروجين والبروجسترون بشكل ملحوظ أثناء الحمل، ثم تعود بسرعة إلى مستوياتها الطبيعية في غضون 24 ساعة بعد الولادة. مما يسبب تغيرًا ضخمًا ومفاجئًا لكيمياء دماغ المرأة، مسببة حدوث اكتئاب ما بعد الولادة.
كما قد تنخفض بشكل حاد الهرمونات الأخرى التي تنتجها الغدة الدرقية؛ الأمر الذي قد يجعلك تشعرين بالتعب، والخمول، والاكتئاب.
اقرأ أيضًا: ما هي اعراض خمول الغدة الدرقية عند النساء؟
- نمط الحياة
تزيد مجموعة من التحديات التي تواجهها الأم في تربية طفلها من حدة التأثيرات الهرمونية عليها، مما يؤدي إلى حدوث هذا الاكتئاب، ومنها:
- قلة النوم.
- ضغوط بسبب مسؤولية طفل حديث الولادة.
- التحديات في العلاقة الأبوية.
- فقدان وقت الفراغ.
- عدم وجود دعم كاف من المحيطين.
- ضيق الوقت للتمرين أو الاهتمام بالنفس.
- سوء التغذية.
- الرغبة القوية أو الضغط النفسي لتكون أم مثالية.
اقرأ أيضًا: ما هو ضبط النفس؟ وكيف تسيطر على مشاعرك؟
- العوامل الاجتماعية
تعاني الأمهات المراهقات والنساء الفقيرات من معدلات أعلى من هذا الاكتئاب؛ ومن المرجح أن الضغط الإضافي الذي تتعرض له هذه المجموعات من النساء عند دخولهن مرحلة الأمومة، يزيد من تأثير العوامل الأخرى ويؤدي إلى زيادة خطر الإصابة به.
- الوراثة والتاريخ الطبي
- يلعب العنصر الوراثي دورًا في حدوث اكتئاب ما بعد الولادة، تماماً كما هو الحال مع الاكتئاب التقليدي، والنساء اللاتي لديهن تاريخ عائلي من الاكتئاب، أو اكتئاب ما بعد الولادة، يصبحن أكثر عُرضة لهذا المرض أيضًا.
- وبالمثل، فإن النساء اللواتي عانين من الاكتئاب في الماضي يكن أكثر عرضة لمواجهة اكتئاب ما بعد الولادة، وكذلك أيضًا النساء اللواتي يعانين من اضطراب ما قبل الحيض (PMS) مع دورتهن الشهرية العادية؛ حيث يعد اضطراب ما قبل الحيض عرضًا من أعراض ما قبل الدورة الشهرية، ومؤشرًا على استجابة الدماغ الكيميائية للمرأة للتقلبات الهرمونية.
- كما أن النساء اللاتي يواجهن صعوبة حدوث الحمل تزيد احتمالية تعرضهن لهذا الاكتئاب، وأخيرًا، فإن تجربة الولادة الصادمة أو الصعبة طبيًا تعد أيضًا عامل خطر.
اقرأ أيضًا: سن اليأس | هل أنتِ مستعدة لتلك الرحلة؟
المضاعفات
إذا لم يُعالج اكتئاب ما بعد الولادة، يمكن أن يعيق الترابط بين الأم والطفل ويسبب مشاكل عائلية.
مضاعفات للأمهات
يمكن أن يدوم اكتئاب ما بعد الولادة غير المعالج أشهر أو أكثر، فيتحول أحيانًا إلى اضطراب اكتئابي مزمن. حتى عندما يعالج، يزيد خطر تعرض المريضة في المستقبل لنوبات من الاكتئاب الشديد.
مضاعفات للآباء
- يمكن أن يكون لهذا الاكتئاب تأثير على المحيطين، مما يسبب إجهادًا عاطفيًا لكل شخص قريب من الطفل الجديد.
- عندما تكون الأم الجديدة مكتئبة، قد يزداد أيضًا خطر إصابة والد الطفل بالاكتئاب، إذ إن الآباء الجدد معرضون أكثر لخطر الإصابة بالاكتئاب، سواء أصيبت الزوجة به أو لم تُصب.
مضاعفات للأطفال
أطفال الأمهات اللواتي لم يعالجن من اكتئاب ما بعد الولادة يكونون أكثر عرضة لمشاكل عاطفية وسلوكية، مثل اضطراب النوم، واضطراب الأكل، والبكاء المفرط، والتأخر في النمو اللغوي.
اقرأ أيضًا: دليلك لفهم التوحد عند الأطفال Autism spectrum disorder
كيف تتغلبين على اكتئاب ما بعد الولادة؟
هناك الكثير من الأشياء التي يمكنكِ القيام بها لمكافحته:
- الخطوة الأولى هي التحدث إلى طبيبك عن مخاوفك، سيسألك أسئلة أكثر تفصيلًا للتأكد من التشخيص.
- تستطيع بعض النساء مكافحة ذلك النوع من الاكتئاب بإدخال تعديلات بسيطة على نمط الحياة، بينما تحتاج نساء أخريات إلى تدخل طبي أكثر شمولًا. لكن يجب أن نتذكر أن سبب اكتئاب ما بعد الولادة أساسًا كيميائيًا؛ لذا إذا لم تتحسن الأعراض بدون دعم طبي، فإن ذلك ليس فشلاً شخصيًا.
- إن اكتئاب ما بعد الولادة هو علاقة معقدة بين مجموعة عوامل متعددة، وعلاجه لا يقل تعقيداً. إليك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها لمكافحة المرض والعودة إلى العافية.
ابحثي عن الدعم
كوني صريحة في صراعك مع ذلك العرض بالحديث مع أمهات أخريات في محيطك الاجتماعي، إذا كانت واحدة من كل خمس نساء تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، فإن احتمالات معرفتك لنساء عانين من هذا الاكتئاب مرتفعة للغاية.
- اجعلي من أولوياتك قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة؛ فإن الاجتماع مع الآخرين في محيط اجتماعي أمر صحي.
- اطلبي المساعدة من الطبيب.
- قد ترغبين أيضًا في التفكير في إنشاء فريق دعم للنساء اللواتي يعانين اكتئاب بعد الولادة.
- قومي بإجراء تعديلات بسيطة على نمط الحياة، هنالك بعض الأمور التي يمكنك القيام بها كي تحاربي كآبة ما بعد الولادة بمفردك. ويشمل ذلك ما يلي:
- قومي باستخدام مضخة الرضاعة لتوفير رضعة لطفلك، يقدمها له زوجك أو من يعاونك في أثناء فترة نومك؛ حتى تحصلي على قدر كافي من النوم.
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- الخروج والتريض تحت أشعة الشمس.
- تناولي الطعام الصحي.
- تناولي قطعة صغيرة من الشوكولاتة الداكنة فهي تعطي شعور بالسعادة.
- اطلبي المساعدة الطبية.
في بعض الأحيان قد لا يساعد تعديل نمط الحياة، أو يكون من الصعب الحصول على الدعم الاجتماعي الكافي. وقد ثبت أن الاستشارة أو العلاج بالكلام مفيد جدًا في علاج اكتئاب ما بعد الولادة.
يستطيع المعالج أن يساعدك في إيجاد سبل لتنفيذ بعض التغييرات في أسلوب الحياة المذكورة أعلاه؛ فالطبيب سيساعدك على تحديد الأسباب الجذرية لحالتك النفسية، ويرشدك الى معالجتها بفعالية.
قد يكون الخروج للعلاج أمرًا صعبًا مع مسؤوليات طفلك الجديدة؛ لذا يتوفر جلسات علاج نفسي عبر الانترنت.
تتوفر أدوية علاج اكتئاب ما بعد الولادة، وبإمكان طبيبك أن يصف لكِ دواء يناسب حالتك، ولكن حتى لو اخترتي ألّا تجربي الدواء، فاحرصي على معرفته.
قد ترغبين في تجربة استراتيجيات غير دوائية للعلاج قبل أن تقرري أخذ الدواء. سيخبرك الطبيب عن الأعراض التي يجب أن تنتبهي لها لتعرفي ما إذا كان مرضك في تحسن أم يزداد سوءًا وما إذا كنتِ بحاجة إلى دعم طبي إضافي.
اقرأ أيضًا: ارتفاع ضغط الدم للحامل .. اكثر الأمراض شيوعًا في فترة الحمل
الوقاية
- إذا كان لديك تاريخ من الاكتئاب، وخاصة اكتئاب ما بعد الولادة، أخبري طبيبك إذا كنت تخططين للحمل أو بمجرد معرفتك أنك حامل.
- خلال الحمل، يمكن لطبيبك أن يراقبك عن كثب بحثًا عن علامات وأعراض الكآبة. في بعض الأحيان يمكن علاج الاكتئاب الخفيف من خلال مجموعات الدعم أو المشورة أو غيرها من العلاجات. في حالات أخرى، قد ينصح باستخدام مضادات الاكتئاب، حتى أثناء الحمل.
- بعد ولادة طفلك، قد يوصي طبيبك بإجراء فحص باكر بعد الولادة للكشف عن علامات وأعراض اكتئاب ما بعد الولادة. كلما تم اكتشافه في وقت أبكر يمكن للعلاج أن يبدأ في وقت أبكر، اذا كان لديك تاريخ من كآبة ما بعد الولادة، يوصي طبيبك بعلاج مضاد للاكتئاب أو علاج نفسي مباشرة بعد الولادة.
اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن امراض المناعة الذاتية والحمل؟
اكتئاب ما بعد الولادة عند الآباء الجدد!
- يمكن أن يواجه الآباء الجدد اكتئاب ما بعد الولادة أيضًا. فقد يشعرون بالحزن أو الإجهاد، أو يرهقهم القلق، أو يمرون بتغيرات في أنماط الأكل والنوم المعتادة، وهي نفس الأعراض التي تعاني منها الأمهات اللاتي يعانين منه.
- والآباء الصغار، أو الذين لديهم تاريخ من الاكتئاب، أو يعانون مشاكل في العلاقات، أو يعانون صعوبات مالية هم الأكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
- يمكن أن يكون لهذا الاكتئاب، الذي يطلق عليه أحيانًا اكتئاب ما بعد الولادة الأبوي، نفس التأثير السلبي على العلاقة الزوجية ونمو الطفل كما يحدث في حالات اكتئاب ما بعد الولادة في الأمهات.
- إذا كنت أبًا جديدًا تعاني أعراض الاكتئاب أو القلق أثناء حمل زوجتك أو في أثناء السنة الأولي بعد ولادة طفلك، فتحدث إلى طبيبك. ويمكن أن يكون العلاج والدعم مماثلًا لما يقدم للأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة.
اقرأ أيضًا: ضعف الانتصاب لدى الرجال Impotence
الخلاصة
عزيزتي، أنتِ لست مضطرة لخوض هذا الأمر وحدك، اكتئاب ما بعد الولادة هو مرض شائع يمكن علاجه بطرق عديدة، فاطلبي المساعدة، واتصلي بطبيبك. ولا ينبغي أن تخجل أي أم من متابعة علاجها من هذه الحالة الطبية. إذ إن اكتئاب ما بعد الولادة أمر حقيقي، وشائع، وقابل للعلاج. إن اكتئاب ما بعد الولادة مرض وليس خطأ من الأم، وليس مؤشرًا على عدم استحقاقها لأن تكون أمًا كما قد يتهمها البعض.
ويجب أيضًا أن تعلمي أن هذا الوقت يجب أن يكون واحدًا من أكثر الأوقات السعيدة في حياتك؛ لا تدعي هذا الاكتئاب يسرق ذلك منك.
اقرأ أيضًا: علاج الزهايمر بالاعشاب | هل يفيد؟