هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها مصابًا بـ متلازمة نونان، إذ كنت في طريقي إلى الجامعة ذات يوم، وبينما أنا أقف في محطة القطار منتظرًا وصوله، إذ رأيت طفلًا صغيرًا تحمله أُمه، ولكن ما إن نظرت إليه حتى بدا لي اختلاف الطفل عن أقرانه.
إذ كانت رأسه كبيرة نسبيًا عن المعتاد، كذلك لاحظت تقعر قفصه الصدري، وتأخر نموه، وتساقط شعره وخشونة جلده.
جاء القطار.. وظللت طوال الطريق منشغلًا بذلك الطفل، فما إن وصلت إلى الجامعة حتى ذهبت مسرعًا إلى أحد الأساتذة وقصصت له ما رأيت، فأجابني قائلًا “لعله يُعاني متلازمة نونان”.
إليك -عزيزي القارئ- كل ما تريد معرفته عن هذه المتلازمة.
ما هي متلازمة نونان Noonan syndrome؟
- تُعد متلازمة نونان اضطرابًا وراثيًا يتسبب في نمو غير طبيعي لأجزاء مختلفة من الجسم، تشمل سمات هذه المتلازمة المظهر المميز للوجه، وقصر القامة، والرقبة العريضة، وعيوب القلب الخلقية، وتأخر النمو.
- تحدث متلازمة نونان نتيجة لحدوث طفرة جينية في أي من الجينات المتعددة، ويمكن تصنيفها إلى أنواع فرعية وذلك طبقًا للجين المسؤول. وعادة ما تُورّث هذه الجينات من الأبوين، ولكن ترجع العديد من الحالات إلى طفرة جديدة غير مورّثة من أحد الأبوين.
- تركز إدارة نونان على السيطرة على أعراض الاضطراب ومضاعفاته، وبالإضافة إلى ذلك يمكن استخدام هرمون النمو لعلاج قصر القامة لدى بعض الأشخاص.
- تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 1 من كل 1000 طفل يولد بمتلازمة نونان، وهو يؤثر على كلا الجنسين على حد سواء.
أسباب متلازمة نونان
- تحدث متلازمة نونان بسبب شذوذ أو طفرة في أحد الجينات، إذ يمكن أن تكون هذه الجينات المصابة موروثة من أحد الوالدين؛ حيث تشير البحوث إلى أن حوالي 50% من المصابين بهذه الحالة لديهم والدًا مصابًا.
- لا يوجد دليل حتى الآن يشير إلى أن الخلل الجيني يحدث نتيجة عوامل بيئية، مثل النظام الغذائى، أو التعرض للإشعاع.
- أثبتت الدراسات أنه لحدوث متلازمة نونان يجب أن تحدث طفرات في 8 جينات مختلفة. وتتشابه أعراض المتلازمة في العموم، وذلك بغض النظر عن الجين المصاب، ومن أشهر تلك الجينات المصابة:
- جين PTPN11
- جين SOS1
- الجين RIT1
- الجين RAF1
- جين KRAS
- يعاني حوالي 1 من كل 5 حالات الإصابة دون العثور على خطأ وراثي محدد، ومع ذلك فإن الجين الخاطئ PTPN11 يرتبط عادة بضيق الشريان الرئوي. وغالبًا ما يرتبط الجين RAF1 المصاب بأمراض القلب.
- من الممكن أيضًا أن تحدث كل تلك الطفرات الجينية بشكل عشوائي؛ إذ تحدث متلازمة نونان في حوالي 60% من الحالات نتيجة لطفرات جينية عفوية ليس لها سبب معروف.
أعراض متلازمة نونان
تختلف علامات وأعراض متلازمة نونان اختلافًا كبيرًا بين الأفراد، إذ تتراوح شدتها بين الخفيف والشديد، وتشمل هذه الأعراض:
ملامح الوجه
يُعد مظهر الوجه أحد السمات الرئيسية التي تؤدي إلى تشخيص متلازمة نونان، عادة ما تكون هذه السمات أكثر وضوحًا لدى الرضع والأطفال الصغار، ولكنها تتغير مع تقدم العمر، وتكون هذه الصفات أكثر دقة في مرحلة البلوغ.
تشمل سمات الوجه:
- العين: تكون العين واسعة ومائلة لأسفل مع تدلي الجفون، وتصبح قزحية العين زرقاء شاحبة أو خضراء.
- الأذن: تكون الأذن منخفضة وتتجه للخلف، مع اختلال نمو الأذن الداخلية؛ مما يؤدي إلى ضعف السمع.
- الأنف: عادة ما يكون الأنف منضغط من الأعلى مع قاعدة عريضة.
- الرأس: يبدو الرأس كبيرًا مع بروز الجبهة، كما يظهر خط خفيف من الشعر في الجزء الخلفي من الرأس.
- الوجه: قد تبدو ملامح الوجه خشنة، كما يبدو خاليًا من التعبيرات.
- الجلد: قد يكون الجلد رقيقًا وشفافًا مع التقدم في العمر.
أمراض القلب
يُولد العديد من مصابي هذه المتلازمة ولديهم العديد من مشكلات وأمراض القلب الخلقية، وهو ما يمثل بعض العلامات الرئيسية للمرض، وتتضمن بعض أنواع أمراض القلب الخلقية:
- ضيق الشريان الرئوي.
- تضخم عضلة القلب.
- عدم انتظام ضربات القلب
- ضيق الشرايين والأوردة.
- ثقب جدار القلب.
تأخر النمو
لا ينمو العديد من الأطفال المصابين بمتلازمة نونان بالمعدل الطبيعي، فعلى الرغم من كون الوزن طبيعيًا عند الولادة إلا أن النمو يتباطأ بمرور الوقت؛ ويرجح أن يكون ذلك بسبب الصعوبة في تناول الطعام، أو بسبب نقص هرمون النمو في الدَّم.
ولأن هذا الاضطراب يتسبب في تأخير نمو العظام، يستمر النمو أحيانًا حتى نهاية سن المراهقة، لذا فإن بعض الأشخاص المصابين بهذا المرض يصلون للطول الطبيعي بحلول مرحلة البلوغ، ولكنّ قصر القامة يكون أكثر شيوعًا.
اضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي
تشمل اضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي تقعر القفص الصدري، وتشوهات العمود الفقري، وبروز عضلات الرقبة، وزوائد جلدية في الرقبة.
اضطرابات الرؤية
تحدث مشكلات الرؤية نتيجة لوجود بعض القصور في عضلات العين مما يؤدي إلى الحول، ومشاكل الانكسار، وقصر أو طول النظر، والحركة السريعة لمقلة العين، وإعتام عدسة العين.
أمراض الكُلى والجهاز التناسلي
يعاني مصابو متلازمة نونان لا سيما الذكور مشكلات الأعضاء التناسلية والكُلى، إذ تُعد الخصية المعلقة شائعة لدى الذكور؛ مما يؤدي إلى اضطرابات الخصوبة لديهم، كما يتأخر البلوغ في كلا الجنسين.
إذا لم تُعالج مشكلة الخصية المعلقة مبكرًا، فمن الراجح أن يُصاب الولد بالعقم واضطراب الخصوبة.
وبالإضافة إلى ذلك تكون مشكلات الكلى خفيفة بوجه عام ولا تحدث إلا قليلًا.
أمراض جلدية
تؤدي الإصابة بهذا الداء إلى حدوث أمراض جلدية متعددة من الممكن أن تؤثر على لون البَشَرَة وملمسها، كما تؤدي أيضًا إلى خشونة الشعر وتجعده، وتساقط الشعر.
أمراض نخاع العظام
يمكن أن يصاب عدد قليل من مصابي متلازمة نونان باضطراب في عدد خلايا الدم البيضاء، ولحسن الحظ يمكن أن يزول هذا الاضطراب من تلقاء نفسه، ولكن يتحول في بعض الأحيان إلى سرطان الدم.
لاحظ العلماء أيضًا إصابة مرضى نونان بمجموعة متنوعة من الأورام المختلفة، ولكن حتى الآن من غير الواضح ما إذا كانت تلك الأورام عن نونان أم إنها حدثت بمحض المصادفة.
وعمومًا، لا يبدوا أن خطر الإصابة بالسرطان أعلى بكثير من الأشخاص غير المصابين بمتلازمة نونان، على الرغم من وجود خطر ضئيل للغاية للإصابة ببعض سرطانات الأطفال النادرة.
النزيف
تسبب متلازمة نونان نزيفًا وكدمات مفرطة؛ وذلك بسبب عيوب تخثر الدَّم أو بسبب نقص عدد الصفائح الدموية.
اضطرابات الجهاز اللمفاوي
يصاب أغلب مرضى نونان باضطرابات الجهاز اللمفاوي، ويظهر هذا الاضطراب قبل الولادة أو بعدها، وعادة ما يتطور في مرحلة البلوغ، ويؤدي التهاب الجهاز اللمفاوي إلى تجمع السوائل الزائدة في ظهر اليدين والقدمين.
اضطرابات التعلم
يميل الأطفال المصابون بمتلازمة نونان إلى أن يكون معدل ذكائهم أقل قليلًا من المتوسط. ويعاني قليل منهم صعوبة التعلم، على الرغم من كون هذه الصعوبات غالبًا تكون خفيفة.
مشكلات سلوكية
يتصرف الأطفال مصابي نونان بشكل غير لائق مقارنة بأقرانهم من الأطفال. ويعانون مشكلات الانتباه، كذلك يواجهون صعوبة في التعرف على مشاعرهم ووصفها.
اقرأ أيضًا: السمنة لدى الاطفال بين الأسباب والأعراض وطرق الوقاية.
تشخيص متلازمة نونان
يمكن للطبيب تشخيص متلازمة نونان وذلك باستخدام الفحص البدني ومتابعة الأعراض، و غالبًا ما يصعب تشخيص هذه الحالة في الأطفال؛ وذلك بسبب مظهر الطفل؛ لذا يلجأ الطبيب إلى عدة اختبارات لتحديد الطفرات الجينية أو للبحث عن العيوب الخلقية.
جنبًا إلى جنب مع الفحص البدني والعصبي الكامل، ينبغي مراعاة ما يلي:
- تقييم القلب.
- الرسم الكهربي للقلب.
- تقييم السمع والبصر.
- تصوير الصدر.
- تصوير الظهر.
- الموجات فوق الصوتية للكُلي.
- اختبار تخثر وتجلط الدَّم.
- معرفة ما إذا كان النمو طبيعًا أم لا.
اقرأ أيضًا: دليلك لفهم التوحد عند الأطفال Autism spectrum disorder.
علاج متلازمة نونان
على الرغم من عدم وجود طريقة لإصلاح الخلل الجيني الذي يسبب متلازمة نونان، يمكن أن تساعد العقاقير والأدوية في تخفيف حدة الأعراض؛ لذا ينبغي المبادرة في تلقي العلاج لتزداد الفرصة في التماثل للشفاء سريعًا. تشمل الأساليب الموصى بها لعلاج هذا الاضطراب:
- علاج القلب
ربما تكون بعض الأدوية فعالة في علاج بعض مشكلات القلب، ولكن إذا كانت المشكلة في صمامات القلب، فقد يكون التدخل الجراحي هو الحل الأمثل لعلاج هذه الحالة، كما يوصي الطبيب بالتقييم الدوري لوظائف القلب.
- علاج انخفاض معدل النمو
يجب قياس الطول حوالي 3 مرات في السنة الواحدة حتى يصل الطفل لعمر 3 سنوات. وبعد ذلك يقاس الطول مرة كل عام حتى سن البلوغ.
ومن المرجح أن يطلب الطبيب إجراء اختبارات الدم لتحديد ما إذا كانت مستويات هرمون النمو كافية أم لا، لذا قد يكون العلاج بهرمون النمو خيارًا علاجيًا.
- علاج السمع والبصر
يوصي الطبيب بإجراء فحوص العين كل عامين على الأقل، ومن الممكن علاج اضطرابات الرؤية بالنظارات، ولكن في بعض الأحيان. ولبعض الحالات يكون من الضروري إجراء عملية جراحية مثل حالات إعتام عدسة العين، كما يُوصى بإجراء فحوص السمع سنويًا في أثناء الطفولة.
- علاج النزيف والكدمات
في حالات الإصابة بالنزيف المفرط أو التعرض للكدمات بسهولة، يصف الطبيب بعض الأدوية التي تساعد على تجلط الدم.
- علاج مشكلات الجهاز اللمفاوي
غالبًا لا تتطلب المشاكل اللمفاوية العلاج، ومع ذلك يمكن للطبيب وصف العلاج المناسب عند الحاجة.
- علاج مشكلات الجهاز التناسلي
إذا لم تعد الخصية لمكانها الصحيح خلال الأشهر القليلة الأولى فقد تكون هناك حاجة لإجراء عملية جراحية.
وفي الختام.. لا شك أن متلازمة نونان تعد أحد الأمراض النادرة، ولكن من الوارد حدوثها؛ لذا ينبغي لنا التعرف على ماهية المرض. واستشارة الطبيب على الفور، والحرص كل الحرص على تداوي أطفالنا منه؛ حتى نسعد بهم في خير صحة وعافية.
اقرأ أيضًا: حقائق يجب أن تعرفها عن متلازمة الطفل الأوسط.